فصل: تفسير الآية رقم (161)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏155‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ إِنَّ الَّذِينَ وَلَّوْا عَنِ الْمُشْرِكِينَ، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَانْهَزَمُوا عَنْهُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏تَوَلَّوْا ‏"‏، ‏"‏تَفَعَّلُوا ‏"‏، مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ ‏"‏وَلَّى فَلَانٌ ظَهْرَهُ ‏"‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ يَوْمَ الْتَقَى جَمْعُ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُسْلِمِينَ بِأُحُدٍ ‏"‏إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ ‏"‏، أَيْ‏:‏ إِنَّمَا دَعَاهُمْ إِلَى الزَّلَّةِ الشَّيْطَانُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏"‏اسْتَزَلَّ ‏"‏‏"‏اسْتَفْعَل‏"‏ مِنْ ‏"‏الزَّلَّةِ ‏"‏‏.‏ وَ ‏"‏الزَّلَّةُ ‏"‏، هِيَ الْخَطِيئَةُ‏.‏

‏"‏بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ‏"‏، يَعْنِي بِبَعْضِ مَا عَمِلُوا مِنَ الذُّنُوبِ‏.‏ ‏"‏وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَقَدْ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْ عُقُوبَةِ ذُنُوبِهِمْ فَصَفَحَ لَهُمْ عَنْهُ ‏"‏إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ‏"‏، يَعْنِي بِهِ‏:‏ مُغَطٍّ عَلَى ذُنُوبِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَ رَسُولَهُ، بِعَفْوِهِ عَنْ عُقُوبَتِهِ إِيَّاهُمْ عَلَيْهَا ‏"‏حَلِيمٌ ‏"‏، يَعْنِي أَنَّهُ ذُو أَنَاةٍ لَا يُعَجِّلُ عَلَى مَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ بِالنِّقْمَةِ‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي أَعْيَانِ الْقَوْمِ الَّذِينَ عُنُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عُنِيَ بِهَا كُلُّ مَنْ وَلَّى الدُّبُرَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ خَطَبَ عُمْرُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ فَقَرَأَ ‏"‏آلَ عِمْرَانَ ‏"‏، وَكَانَ يُعْجِبُهُ إِذَا خَطَبَ أَنْ يَقْرَأَهَا، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ‏"‏، قَالَ‏:‏ لِمَا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ هَزَمْنَاهُمْ، فَفَرَرْتُ حَتَّى صَعِدْتُ الْجَبَلَ، فَلَقَدْ رَأَيْتَنِي أَنْـزُو كَأَنَّنِي أَرْوَى، وَالنَّاسُ يَقُولُونَ‏:‏ ‏"‏قُتِلَ مُحَمَّدٌ ‏"‏‏!‏ فَقُلْتُ‏:‏ لَا أَجِدُ أَحَدًا يَقُولُ‏:‏ ‏"‏قُتِلَ مُحَمَّدٌ ‏"‏، إِلَّا قَتَلْتُهُ‏!‏‏.‏ حَتَّى اجْتَمَعْنَا عَلَى الْجَبَلِ، فَنَـزَلَتْ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ‏}‏، الْآيَةَ كُلَّهَا‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ‏}‏، الْآيَةَ، وَذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ، نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَلَّوْا عَنِ الْقِتَالِ وَعَنْ نَبِيِّ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ الشَّيْطَانِ وَتَخْوِيفِهِ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا تَسْمَعُونَ‏:‏ أَنَّهُ قَدْ تَجَاوَزَ لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَعَفَا عَنْهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِيقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ‏}‏، الْآيَةَ، فَذَكَرَ نَحْوَ قَوْلِ قَتَادَةَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عُنِي بِذَلِكَ خَاصٌّ مِمَّنْ وَلَّى الدُّبُرَ يَوْمَئِذٍ، قَالُوا‏:‏ وَإِنَّمَا عَنَى بِهِ الَّذِينَ لَحِقُوا بِالْمَدِينَةِ مِنْهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ لِمَا انْهَزَمُوا يَوْمَئِذٍ تَفَرَّقَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ، فَدَخَلَ بَعْضُهُمُ الْمَدِينَةَ، وَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ فَوْقَ الْجَبَلِ إِلَى الصَّخْرَةِ فَقَامُوا عَلَيْهَا، فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِينَ انْهَزَمُوا فَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ‏}‏، الْآيَةَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ نَزَلَ ذَلِكَ فِي رِجَالٍ بِأَعْيَانِهِمْ مَعْرُوفِينَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، قَالَ عِكْرِمَةُ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ‏"‏، قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ فِي رَافِعِ بْنِ الْمُعَلَّى وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَأَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ وَرَجُلٍ آخَرَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ‏}‏، إِذْ لَمْ يُعَاقِبْهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ ‏(‏فَرَّ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعَقَبَةُ بْنُ عُثْمَانَ، وَسَعْدُ بْنُ عُثْمَانَ- رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ- حَتَّى بَلَغُوا الْجَلْعَبَ جَبَلٌ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ مِمَّا يَلِي الْأَعْوَصَ- فَأَقَامُوا بِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ‏:‏ لَقَدْ ذَهَبْتُمْ فِيهَا عَرِيضَة‏)‏‏!‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا‏}‏ الْآيَةَ، وَالَّذِينَ اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ‏:‏ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَسَعْدُ بْنُ عُثْمَانَ، وَعَقَبَةُ بْنُ عُثْمَانَ، الْأَنْصَارِيَّانِ، ثُمَّ الزُّرَقِيَّانِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ‏}‏، فَإِنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ وَلَقَدْتَجَاوُزَ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ، أَنْ يُعَاقِبَهُمْ بِتَوَلِّيهِمْ عَنْ عَدُوِّهِمْ‏.‏ كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ‏}‏، إِذْ لَمْ يُعَاقِبْهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ فِي تَوَلِّيهِمْ يَوْمَ أُحُدٍ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ‏}‏، فَلَا أَدْرِي أَذَلِكَ الْعَفْوُ عَنْ تِلْكَ الْعِصَابَةِ، أَمْ عَفْوٌ عَنِ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ‏؟‏‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيلَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنِ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ‏}‏، فِيمَا مَضَى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏156‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، لَا تَكُونُوا كَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، فَجَحَدَ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ لِإِخْوَانِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ ‏{‏إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ‏}‏ فَخَرَجُوا مِنْ بِلَادِهِمْ سَفَرًا فِي تِجَارَةٍ ‏{‏أَوْ كَانُوا غُزًّى‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَوْ كَانَ خُرُوجُهُمْ مِنْ بِلَادِهِمْ غُزَاةً فَهَلَكَُوا فَمَاتُوا فِي سَفَرِهِمْ، أَوْ قُتِلُوا فِي غَزْوِهِمْ ‏{‏لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا‏}‏، يُخْبِرُ بِذَلِكَ عَنْ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِمَنْ غَزَا مِنْهُمْ فَقُتِلَ، أَوْ مَاتَ فِي سَفَرٍ خَرَجَ فِيهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، أَوْ تِجَارَةٍ‏:‏ لَوْ لَمْ يَكُونُوا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِنَا، وَكَانُوا أَقَامُوا فِي بِلَادِهِمْ مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا ‏{‏لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ، كَيْ يَجْعَلَ اللَّهُ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ حُزْنًا فِي قُلُوبِهِمْ وَغَمًّا، وَيَجْهَلُونَ أَنَّ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَبِيَدِهِ‏.‏

وَقَدْ قِيلَ‏:‏ إِنَّ الَّذِينَنَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يَتَشَبَّهُوا بِهِمْ فِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ سُوءِ الْيَقِينِ بِاللَّهِ، الْمُنَافِقُونَ هُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبِيِّ ابْنِ سَلُولَ وَأَصْحَابُهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُو لَا تَكُونُوا كَالَّذِينِ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ‏}‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبِيٍّ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى‏}‏، قَوْلُ الْمُنَافِقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبِيِّ ابْنِ سَلُولَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مَثَلُهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ‏:‏ هُمْ جَمِيعُ الْمُنَافِقِينَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينِ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ‏}‏ الْآيَةَ، أَيْ‏:‏ لَا تَكُونُوا كَالْمُنَافِقِينَ الَّذِي يَنْهَوْنَ إِخْوَانَهُمْ عَنِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَيَقُولُونَ إِذَا مَاتُوا أَوْ قُتِلُوا‏:‏ لَوْ أَطَاعُونَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ‏}‏، فَإِنَّهُ اخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهِ‏.‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ السَّفَرُ فِي التِّجَارَةِ، وَالسَّيْرُ فِي الْأَرْضِ لِطَلَبِ الْمَعِيشَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ‏}‏، وَهِيَ التِّجَارَةُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ هُوَ السَّيْرُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ‏}‏، الضَّرْبُ فِي الْأَرْضِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ‏.‏

وَأَصْلُ ‏"‏الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ ‏"‏، الْإِبْعَادُ فِيهَا سَيْرًا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏أَوْ كَانُوا غُزًّى ‏"‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ أَوْ كَانُوا غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏.‏

وَ ‏"‏الْغُزَّى ‏"‏جَمْعُ ‏"‏غَازٍ ‏"‏، جَمْعٌ عَلَى ‏"‏فُعَّل‏"‏ كَمَا يُجْمَعُ ‏"‏شَاهِدٌ ‏"‏‏"‏شُهَّدٌ ‏"‏، وَ‏"‏قَائِل‏"‏ ‏"‏قُوَّلٌ ‏"‏، ‏.‏ وَقَدْ يُنْشِدُ بَيْتَ رُؤْبَةَ‏:‏

فَـالْيَوْمَ قَـدْ نَهْنَهَنِـي تَنَهْنُهِـي *** وَأَوَّلُ حِـلْمٍ لَيْسَ بِالمُسَـفَّهِ

وَقُوَّلٌ‏:‏ إِلَّا دَهٍ فَلَا دَهِ

وَيُنْشِدُ أَيْضًا‏:‏

وَقَوْلُهُمْ‏:‏ إِلَّا دَهٍ فَلَا دَهِ

وَإِنَّمَا قِيلَ‏:‏ ‏{‏لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى‏}‏، فَأَصْحَبَ مَاضِي الْفِعْلَ، الْحَرْفَ الَّذِي لَا يَصْحَبُ مَعَ الْمَاضِي مِنْهُ إِلَّا الْمُسْتَقْبَلَ، فَقِيلَ‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ‏}‏، ثُمَّ قِيلَ‏:‏ ‏"‏إِذَا ضَرَبُوا ‏"‏، وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ‏:‏ ‏"‏أَكْرَمْتُكَ إِذْ زُرْتَنِي ‏"‏، وَلَا يُقَالُ‏:‏ ‏"‏أَكْرَمْتُكَ إِذَا زُرْتَنِي ‏"‏‏.‏ لِأَنَّ ‏"‏الْقَوْل‏"‏ الَّذِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ ‏"‏، وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظِ الْمَاضِي فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَذْهَبُ بـ ‏"‏الَّذِينَ ‏"‏مَذْهَبَ الْجَزَاءِ، وَتُعَامِلُهَا فِي ذَلِكَ مُعَامَلَةَ ‏"‏مَن‏"‏ وَ‏"‏مَا ‏"‏، لِتَقَارُبِ مَعَانِي ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَإِنَّ جَمِيعَهُنَّ أَشْيَاءَ مَجْهُولَاتٍ غَيْرَ مُوَقَّتَاتٍ تَوْقِيتَ ‏"‏عَمْرٍو ‏"‏ وَ‏"‏زَيْدٍ ‏"‏‏.‏‏.‏

فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَكَانَ صَحِيحًا فِي الْكَلَامِ فَصِيحًا أَنْ يُقَالَ لِلرَّجُلِ‏:‏ ‏"‏أَكْرِمْ مِنْ أَكْرَمَكُ ‏"‏‏"‏وَأَكْرِمْ كُلَّ رَجُلٍ أَكْرَمَكَ ‏"‏، فَيَكُونُ الْكَلَامُ خَارِجًا بِلَفْظِ الْمَاضِي مَعَ ‏"‏مَنْ ‏"‏، وَ‏"‏كُلٍّ ‏"‏، مَجْهُولَيْنِ وَمَعْنَاهُ الِاسْتِقْبَالُ، إِذْ كَانَ الْمَوْصُوفُ بِالْفِعْلِ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ، وَكَانَ ‏"‏الَّذِين‏"‏ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏لَا تَكُونُوا كَالَّذِينِ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ ‏"‏، غَيْرَ مُوَقَّتِينَ، أُجْرِيَتْ مَجْرَى ‏"‏مَنْ ‏"‏وَ‏"‏مَا‏"‏ فِي تَرْجَمَتِهَا الَّتِي تَذْهَبُ مَذْهَبَ الْجَزَاءِ، وَإِخْرَاجِ صِلَاتِهَا بِأَلْفَاظِ الْمَاضِي مِنَ الْأَفْعَالِ وَهِيَ بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ فِي ‏"‏مَا ‏"‏‏:‏

وَإِنِّـي لآتِيكُـمْ تَشَـكُّرَ مَـا مَضَـى *** مِـنَ الأمْـرِ وَاسْتِيجَابَ مَا كَانَ فِي غَدِ

فَقَالَ‏:‏ ‏"‏مَا كَانَ فِي غَدِ ‏"‏، وَهُوَ يُرِيدُ‏:‏ مَا يَكُونُ فِي غَدِ‏.‏ وَلَوْ كَانَ أَرَادَ الْمَاضِي لَقَالَ‏:‏ ‏"‏مَا كَانَ فِي أَمْسِ ‏"‏، وَلَمْ يُجِزْ لَهُ أَنْ يَقُولَ‏:‏ ‏"‏مَا كَانَ فِي غَدِ ‏"‏‏.‏

وَلَوْ كَانَ ‏"‏الَّذِي ‏"‏مُوَقَّتًا، لَمْ يُجِزْ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ‏.‏ خَطَأٌ أَنْ يُقَالَ‏:‏ ‏"‏لِتُكْرِمَنَّ هَذَا الَّذِي أَكْرَمَكَ إِذَا زُرْتَهُ ‏"‏، لِأَنَّ ‏"‏الَّذِي‏"‏ هَاهُنَا مُوَقَّتٌ، فَقَدْ خَرَجَ مِنْ مَعْنَى الْجَزَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ ‏"‏هَذَا ‏"‏، لَكَانَ جَائِزًا فَصِيحًا، لِأَنَّ ‏"‏الَّذِي ‏"‏يَصِيرُ حِينَئِذٍ مَجْهُولًا غَيْرَ مُوَقَّتٍ‏.‏ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْحَجِّ‏:‏ 25‏]‏ فَرَدَّ ‏"‏يَصُدُّون‏"‏ عَلَى ‏"‏كَفَرُوا ‏"‏، لِأَنَّ ‏"‏الَّذِينَ ‏"‏ غَيَّرَ مُوَقَّتَةٍ‏.‏ فَقَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏كَفَرُوا ‏"‏، وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظٍ مَاضٍ، فَمَعْنَاهُ الِاسْتِقْبَالُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ مَرْيَمَ‏:‏ 60‏]‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْمَائِدَةِ‏:‏ 34‏]‏، مَعْنَاهُ‏:‏ إِلَّا الَّذِينَ يَتُوبُونَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ وَإِلَّا مَنْ يَتُوبُ وَيُؤْمِنُ‏.‏ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ وَالْكَلَامِ كَثِيرٌ، وَالْعِلَّةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَاحِدَةٌ‏.‏

وَأَمَّاقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ‏}‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ حُزْنًا فِي قُلُوبِهِمْ، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏فِي قُلُوبِهِمْ ‏"‏، قَالَ‏:‏ يُحْزِنُهُمْ قَوْلُهُمْ، لَا يَنْفَعُهُمْ شَيْئًا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مَثَلُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ‏}‏، لِقِلَّةِ الْيَقِينِ بِرَبِّهِمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏156‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏{‏وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ‏}‏ وَاللَّهُ الْمُعَجِّلُ الْمَوْتَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ حَيْثُ يَشَاءُ، وَالْمُمِيتُ مَنْ يَشَاءُ كُلَّمَا شَاءَ، دُونَ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ خَلْقِهِ‏.‏

وَهَذَا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَرْغِيبٌ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِ وَالصَّبْرِ عَلَى قِتَالِهِمْ، وَإِخْرَاجِ هَيْبَتِهِمْ مِنْ صُدُورِهِمْ، وَإِنَّ قَلَّ عَدَدُهُمْ وَكَثُرَ عَدَدُ أَعْدَائِهِمْ وَأَعْدَاءُ اللَّهِ وَإِعْلَامٌ مِنْهُ لَهُمْ أَنَّ الْإِمَاتَةَ وَالْإِحْيَاءَ بِيَدِهِ، وَأَنَّهُ لَنْ يَمُوتَ أَحَدٌ وَلَا يُقْتَلَ إِلَّا بَعْدَ فَنَاءِ أَجْلِهِ الَّذِي كَتَبَ لَهُ وَنَهْيٌ مِنْهُ لَهُمْ، إِذْ كَانَ كَذَلِكَ، أَنْ يَجْزَعُوا لِمَوْتِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ أَوْ قَتْلِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ فِي حَرْبِ الْمُشْرِكِينَ‏.‏

ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ يَرَى مَا تَعْمَلُونَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، فَاتَّقُوهُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، إِنَّهُ مُحْصٍ ذَلِكَ كُلَّهُ، حَتَّى يُجَازِيَ كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ‏}‏، أَيْ‏:‏ يُعَجِّلُ مَا يَشَاءُ، وَيُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ مِنْ آجَالِهِمْ بِقُدْرَتِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏157‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏{‏وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يُخَاطِبُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، يَقُولُ لَهُمْ‏:‏ لَا تَكُونُوا، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، فِي شَكٍّ مِنْ أَنَّالْأُمُورَ كُلَّهَا بِيَدِ اللَّهِ، وَأَنَّ إِلَيْهِ الْإِحْيَاءَ وَالْإِمَاتَةَ، كَمَا شَكَّ الْمُنَافِقُونَ فِي ذَلِكَ، وَلَكَِنْ جَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَاتِلُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ، عَلَى يَقِينٍ مِنْكُمْ بِأَنَّهُلَا يُقْتَلُ فِي حَرْبٍ وَلَا يَمُوتُ فِي سَفَرٍ إِلَّا مَنْ بَلَغَ أَجْلُهُ وَحَانَتْ وَفَاتُهُ‏.‏ ثُمَّ وَعَدَهُمْ عَلَى جِهَادِهِمْ فِي سَبِيلِهِ الْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ مَوْتًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَتْلًا فِي اللَّهِ، خَيْرٌ لَهُمْ مِمَّا يَجْمَعُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ حُطَامِهَا وَرَغِيدِ عَيْشِهَا الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ يَتَثَاقَلُونَ عَنْالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَفَضْلِهِ وَيَتَأَخَّرُونَ عَنْ لِقَاءِ الْعَدُوِّ، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‏}‏، أَيْ‏:‏ إِنَّ الْمَوْتَ كَائِنٌ لَا بُدَّ مِنْهُ، فَمَوْتٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ قَتْلٌ، خَيْرٌ لَوْ عَلِمُوا فَأَيْقَنُوا مِمَّا يَجْمَعُونَ فِي الدُّنْيَا الَّتِي لَهَا يَتَأَخَّرُونَ عَنِ الْجِهَادِ، تَخَوُّفًا مِنَ الْمَوْتِ وَالْقَتْلِ لِمَا جَمَعُوا مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا، وَزَهَادَةً فِي الْآخِرَةِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‏}‏، وَابْتَدَأَ الْكَلَامَ‏:‏ ‏"‏وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قَتَلْتُمْ ‏"‏بِحَذْفِ جَوَابِ ‏"‏لَئِنْ ‏"‏، لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‏}‏ مَعْنَى جَوَابٍ لِلْجَزَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ وَعْدٌ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ‏.‏

فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ، لِيَغْفِرَنَّ اللَّهُ لَكَُمْ وَلِيَرْحَمَنَّكُمْ فَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‏}‏، وَجَمَعَ مَعَ الدَّلَالَةِ بِهِ عَلَيْهِ، الْخَبَرَ عَنْ فَضْلِ ذَلِكَ عَلَى مَا يُؤْثِرُونَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا يَجْمَعُونَ فِيهَا‏.‏

وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، أَنَّهُ إِنْ قِيلَ‏:‏ كَيْفَ يَكُونُ‏:‏ ‏{‏لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ‏}‏ جَوَابًا لِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ‏}‏‏؟‏ فَإِنَّ الْوَجْهَ فِيهِ أَنْ يُقَالَ فِيهِ كَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ فَذَلِكَ لَكَُمْ رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ وَمَغْفِرَةٌ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ فِي سَبِيلِي، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ، ‏"‏ يَقُولُ‏:‏ لَذَلِكَ خَيْرٌ مِمَّا تَجْمَعُونَ، يَعْنِي‏:‏ لَتِلْكَ الْمَغْفِرَةُ وَالرَّحْمَةُ خَيْرٌ مِمَّا تَجْمَعُونَ‏.‏

وَدَخَلَتِ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ ‏"‏، لِدُخُولِهَا فِي قَوْلِهِ‏:‏ وَ‏"‏لَئِنْ ‏"‏، كَمَا قِيلَ‏:‏ ‏{‏وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْحَشْرِ‏:‏ 12‏]‏

تفسير الآية رقم ‏[‏158‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَإِنَّ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعَكُمْ وَمَحْشَرَكُمْ، فَيُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ، فَآثِرُوا مَا يُقَرِّبُكُمْ مِنَ اللَّهِ وَيُوجِبُ لَكَُمْ رِضَاهُ، وَيُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، مِنَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، طَرِيقٌ إِلَى الْجَنَّةِ عَلَى الرُّكُونِ إِلَى الدُّنْيَا وَمَا تَجْمَعُونَ فِيهَا مِنْ حُطَامِهَا الَّذِي هُوَ غَيْرُ بَاقٍ لَكَُمْ، بَلْ هُوَ زَائِلٌ عَنْكُمْ، وَعَلَى تَرْكِ طَاعَةِ اللَّهِ وَالْجِهَادِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُبْعِدُكُمْ عَنْ رَبِّكُمْ، وَيُوجِبُ لَكَُمْ سُخْطَهُ، وَيُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ‏}‏، أَيُ ذَلِكَ كَانَ ‏{‏لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ‏}‏، أَيْ‏:‏ أَنَّ إِلَى اللَّهِ الْمُرْجِعَ، فَلَا تَغْرُنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا تَغْتَرُّوا بِهَا، وَلْيَكُنْ الْجِهَادُ وَمَا رَغَّبَكُمُ اللَّهُ فِيهِ مِنْهُ، آثَرَ عِنْدَكُمْ مِنْهَا‏.‏

وَأُدْخِلَتِ ‏"‏اللَّامُ ‏"‏فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ‏"‏، لِدُخُولِهَا فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَلَئِنْ ‏"‏‏.‏ وَلَوْ كَانَتْ ‏"‏اللَّام‏"‏ مُؤَخَّرَةً إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏تُحْشَرُونَ ‏"‏، لَأَحْدَثَتِ ‏"‏النُّونُ ‏"‏الثَّقِيلَةُ فِيهِ، كَمَا تَقُولُ فِي الْكَلَامِ‏:‏ ‏"‏لَئِنْ أَحْسَنْتَ إِلَيَّ لَأُحْسِنَنَّ إِلَيْك‏"‏ بِنُونٍ مُثَقَّلَةٍ‏.‏ فَكَانَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَتُحْشَرُنَّ إِلَى اللَّهِ، وَلَكَِنْ لَمَّا حِيلَ بَيْنَ ‏"‏اللَّامِ ‏"‏وَبَيْنَ ‏"‏تُحْشَرُون‏"‏ بِالصِّفَةِ، أُدْخِلَتْ فِي الصِّفَةِ، وَسَلِمَتْ ‏"‏تُحْشَرُونَ ‏"‏، فَلَمْ تَدْخُلْهَا ‏"‏النُّونُ ‏"‏الثَّقِيلَةُ، كَمَا تَقُولُ فِي الْكَلَامِ‏:‏ ‏"‏لَئِنْ أَحْسَنْتَ إِلَيَّ لَإِلِيْكَ أُحْسِنُ ‏"‏، بِغَيْرِ ‏"‏نُون‏"‏ مُثْقَلَةٍ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏159‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏}‏، فَبِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ، وَ‏"‏مَا ‏"‏صِلَةٌ‏.‏ وَقَدْ بَيَّنْتُ وَجْهَ دُخُولِهَا فِي الْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْبَقَرَةِ‏:‏ 26‏]‏‏.‏ وَالْعَرَبُ تَجْعَلُ ‏"‏مَا‏"‏ صِلَةً فِي الْمَعْرِفَةِ وَالنَّكِرَةِ، كَمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ النِّسَاءِ‏:‏ 155 سُورَةُ الْمَائِدَةِ‏:‏ 13‏]‏، وَالْمَعْنَى‏:‏ فَبِنَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ‏.‏ وَهَذَا فِي الْمَعْرِفَةِ‏.‏ وَقَالَ فِي النَّكِرَةِ‏:‏ ‏{‏عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ‏:‏ 40‏]‏، وَالْمَعْنَى‏:‏ عَنْ قَلِيلٍ‏.‏ وَرُبَّمَا جُعِلَتِ اسْمًا وَهِيَ فِي مَذْهَبٍ صِلَةٌ، فَيُرْفَعُ مَا بَعْدَهَا أَحْيَانًا عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ، وَيُخَفَضُ عَلَى إِتْبَاعِ الصِّلَةِ مَا قَبِلَهَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

فَكَـفَى بِنَـا فَضْـلا عَـلَى مَنْ غَيْرِنَا *** حُـبُّ النَّبـيِّ مُحَـمَّدٍ إِيَّانَـا

إِذَا جُعِلَتْ غَيْرَ صِلَةٍ رَفَعْتَ بِإِضْمَارِ ‏"‏هُوَ ‏"‏، وَإِنْ خَفَضْتَ أَتْبَعْتَ ‏"‏مَنْ ‏"‏، فَأَعْرَبْتَهُ‏.‏ فَذَلِكَ حُكْمُهُ عَلَى مَا وَصَفْنَا مَعَ النَّكِرَاتِ‏.‏

فَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الصِّلَةُ مَعْرِفَةً، كَانَ الْفَصِيحُ مِنَ الْكَلَامِ الْإِتْبَاعَ، كَمَا قِيلَ‏:‏ ‏"‏فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ ‏"‏، وَالرَّفْعُ جَائِزٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ‏.‏

وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ‏"‏، قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَبِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ‏"‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي بـ ‏"‏الْفَظِّ ‏"‏ الْجَافِي، وبـ ‏"‏الْغَلِيظِ الْقَلْبِ ‏"‏، الْقَاسِي الْقَلْبِ، غَيْرِ ذِي رَحْمَةٍ وَلَا رَأْفَةٍ‏.‏ وَكَذَلِكَ كَانَتْصِفَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ بِهِ‏:‏ ‏{‏بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ التَّوْبَةِ‏:‏ 128‏]‏‏.‏

فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ فَبِرَحْمَةِ اللَّهِ، يَا مُحَمَّدُ، وَرَأْفَتُهُ بِكَ وَبِمَنْ آمَنَ بِكَ مِنْ أَصْحَابِكَ ‏"‏لِنْتَ لَهُمْ ‏"‏، لِتُبَّاعِكَ وَأَصْحَابِكَ، فَسَهُلَتْ لَهُمْ خَلَائِقُكَ، وَحَسُنَتْ لَهُمْ أَخْلَاقُكَ، حَتَّى احْتَمَلْتَ أَذَى مَنْ نَالَكَ مِنْهُمْ أَذَاهُ، وَعَفَوْتَ عَنْ ذِي الْجُرْمِ مِنْهُمْ جُرْمَهُ، وَأَغْضَيْتَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّنْ لَوْ جَفَوْتَ بِهِ وَأَغْلَظْتَ عَلَيْهِ لَتَرْكَكَ فَفَارَقَكَ وَلَمْ يَتَّبِعْكَ وَلَا مَا بُعِثَْتَ بِهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَلَكَِنَّ اللَّهَ رَحِمَهُمْ وَرَحِمَكَ مَعَهُمْ، فَبِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ‏.‏ كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ‏}‏، إِي وَاللَّهِ، لَطَهَّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْفَظَاظَةِ وَالْغِلْظَةِ، وَجَعَلَهُ قَرِيبًا رَحِيمًا بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفًا وَذَكَرَ لَنَا أَنَّنَعْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ‏:‏ ‏"‏ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا صَخُوبٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا، وَلَكَِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ ‏"‏‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ‏}‏، قَالَ‏:‏ ذِكْرُ لِينِهِ لَهُمْ وَصَبْرِهِ عَلَيْهِمْ لِضَعْفِهِمْ، وَقِلَّةِ صَبْرِهِمْ عَلَى الْغِلْظَةِ لَوْ كَانَتْ مِنْهُ فِي كُلِّ مَا خَالَفُوا فِيهِ مِمَّا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ طَاعَةِ نَبِيِّهِمْ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ‏"‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ لَتَفَرَّقُوا عَنْكَ‏.‏ كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ‏}‏، قَالَ‏:‏ انْصَرَفُوا عَنْكَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ‏}‏، أَيْ‏:‏ لَتَرَكُوكَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏159‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَاعْفُ عَنْهُمْ‏}‏، فَتَجَاوَزْ، يَا مُحَمَّدُ، عَنْ تُبَّاعِكَ وَأَصْحَابِكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ عِنْدِي، مَا نَالَكَ مِنْ أَذَاهُمْ وَمَكْرُوهٍ فِي نَفْسِكَ ‏{‏وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ‏}‏، وَادْعُ رَبَّكَ لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ لِمَا أَتَوْا مِنْ جُرْمٍ، وَاسْتَحَقُّوا عَلَيْهِ عُقُوبَةً مِنْهُ‏.‏ كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏"‏فَاعْفُ عَنْهُمْ ‏"‏، أَيْ‏:‏ فَتَجَاوَزْ عَنْهُمْ ‏"‏وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ‏"‏، ذُنُوبَ مَنْ قَارَفَ مَنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أَمَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُشَاوِرَهُمْ، وَمَا الْمَعْنَى الَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يُشَاوِرَهُمْ فِيهِ‏؟‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ أَمْرُ اللَّهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ‏}‏، بِمُشَاوَرَةِ أَصْحَابِهِ فِي مَكَايِدِ الْحَرْبِ وَعِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ، تَطْيِيبًا مِنْهُ بِذَلِكَ أَنْفُسَهُمْ، وَتَأَلُّفًا لَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، وَلِيَرَوْا أَنَّهُ يَسْمَعُ مِنْهُمْ وَيَسْتَعِينُ بِهِمْ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَغْنَاهُ بِتَدْبِيرِهِ لَهُ أُمُورَهُ، وَسِيَاسَتَهُ إِيَّاهُ وَتَقْوِيمَهُ أَسْبَابَهُ عَنْهُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ‏}‏، أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُشَاوِرَ أَصْحَابَهُ فِي الْأُمُورِوَهُوَ يَأْتِيهِ وَحْيُ السَّمَاءِ، لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لِأَنْفُسِ الْقَوْمِ وَأَنَّ الْقَوْمَ إِذَا شَاوَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَرَادُوا بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ، عَزَمَ لَهُمْ عَلَى أَرْشَدِهِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏{‏وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُشَاوِرَ أَصْحَابَهُ فِي الْأُمُورِ وَهُوَ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ، لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لِأَنْفُسِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ‏}‏، أَيْ‏:‏ لِتُرِيَهُمْ أَنَّكَ تَسْمَعُ مِنْهُمْ وَتَسْتَعِينُ بِهِمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَنْهُمْ غَنِيًّا، تُؤَلِّفُهُمْ بِذَلِكَ عَلَى دِينِهِمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فِي ذَلِكَ‏.‏ لِيُبَيِّنَ لَهُ الرَّأْيَ وَأَصْوَبَ الْأُمُورِ فِي التَّدْبِيرِ، لِمَا عَلِمَ فِي الْمَشُورَةِ تَعَالَى ذِكْرُهُ مِنَ الْفَضْلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَشُورَةِ، إِلَّا لِمَا عَلِمَ فِيهَا مِنَ الْفَضْلِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ دَغْفَلٍ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ مَا شَاوَرَ قَوْمٌ قَطُّ إِلَّا هُدُوا لِأَرْشَدِ أُمُورِهِمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إِنَّمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِمُشَاوَرَةِ أَصْحَابِهِ فِيمَا أَمَرَهُ بِمُشَاوَرَتِهِمْ فِيهِ، مَعَ إِغْنَائِهِ بِتَقْوِيمِهِ إِيَّاهُ وَتَدْبِيرِهِ أَسْبَابَهُ عَنْ آرَائِهِمْ، لِيَتْبَعَهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ بَعْدِهِ فِيمَا حَزَبَهُمْ مَنْ أَمْرِ دِينِهِمْ، وَيَسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ فِي ذَلِكَ، وَيَحْتَذُوا الْمِثَالَ الَّذِي رَأَوْهُ يَفْعَلُهُ فِي حَيَاتِهِ مِنْ مُشَاوِرَتِهِ فِي أُمُورِهِ مَعَ المنَزَلَةِ الَّتِي هُوَ بِهَا مِنَ اللَّهِ أَصْحَابَهُ وَتُبَّاعَهُ فِي الْأَمْرِ يَنْزِلُ بِهِمْ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، فَيَتَشَاوَرُوا بَيْنَهُمْ ثُمَّ يُصْدِرُوا عَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مَلَأَهُمْ‏.‏ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا تَشَاوَرُوا فِي أُمُورِ دِينِهِمْ مُتَّبَعِينَ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ، لَمْ يُخْلِهِمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ لُطْفِهِ وَتَوْفِيقِهِ لِلصَّوَابِ مِنَ الرَّأْيِ وَالْقَوْلِ فِيهِ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي مَدَحَ بِهِ أَهْلَ الْإِيمَانِ‏:‏ ‏{‏وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الشُّورَى‏:‏ 38‏]‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا سِوَارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ، قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ، أَنْ يَتَشَاوَرُوا فِيمَا لَمْ يَأْتِهِمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ أَثَرٌ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنّ َاللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُشَاوَرَةِ أَصْحَابِهِ فِيمَا حَزَبَهُ مَنْ أَمْرِ عَدُوِّهِ وَمَكَايِدِ حَرْبِهِ، تَأَلُّفًا مِنْهُ بِذَلِكَ مَنْ لَمْ تَكُنْ بَصِيرَتُهُ بِالْإِسْلَامِ الْبَصِيرَةَ الَّتِي يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مَعَهَا فِتْنَةَ الشَّيْطَانِ وَتَعْرِيفًا مِنْهُ أُمَّتَهُ مَأْتَى الْأُمُورِ الَّتِي تَحْزُبُهُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَمَطْلَبِهَا، لِيَقْتَدُوا بِهِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ النَّوَازِلِ الَّتِي تَنْزِلُ بِهِمْ، فَيَتَشَاوَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، كَمَا كَانُوا يَرَوْنَهُ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ‏.‏ فَأَمَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ يُعَرِّفُهُ مَطَالِبَ وُجُوهَ مَا حَزَبَهُ مِنَ الْأُمُورِ بِوَحْيهِ أَوْ إِلْهَامِهِ إِيَّاهُ صَوَابَ ذَلِكَ‏.‏ وَأَمَّا أُمَّتُهُ، فَإِنَّهُمْ إِذَا تَشَاوَرُوا مُسْتَنِّينَ بِفِعْلِهِ فِي ذَلِكَ، عَلَى تَصَادُقٍ وَتَأَخٍّ لِلْحَقِّ، وَإِرَادَةِ جَمِيعِهِمْ لِلصَّوَابِ، مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ إِلَى هَوَى، وَلَا حَيْدٍ عَنْ هُدَى، فَاللَّهُ مسدِّدُهُمْ وموفِّقُهُمْ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا عَزَمْتَ فَتُوكِلْ عَلَى اللَّهِ‏}‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ فَإِذَا صَحَّ عَزْمُكَ بِتَثْبِيتِنَا إِيَّاكَ، وَتَسْدِيدِنَا لَكَ فِيمَا نَابَكَ وَحَزَبَكَ مِنْ أَمْرِ دِينِكَ وَدُنْيَاكَ، فَامْضِ لِمَا أَمَرْنَاكَ بِهِ عَلَى مَا أَمَرْنَاكَ بِهِ، وَافَقَ ذَلِكَ آرَاءَ أَصْحَابِكَ وَمَا أَشَارُوا بِهِ عَلَيْكَ، أَوْ خَالَفَهَا ‏"‏وَتَوَكَّلْ ‏"‏، فِيمَا تَأْتِي مِنْ أُمُورِكَ وَتَدَعُ، وَتُحَاوِلُ أَوْ تُزَاوِلُ، عَلَى رَبِّكَ، فَثِقْ بِهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَارْضَ بِقَضَائِهِ فِي جَمِيعِهِ، دُونَ آرَاءِ سَائِرِ خَلْقِهِ وَمَعُونَتِهِمْ ‏{‏فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ‏}‏، وَهُمُ الرَّاضُونَ بِقَضَائِهِ، وَالْمُسْتَسْلِمُونَ لِحُكْمِهِ فِيهِمْ، وَافَقَ ذَلِكَ مِنْهُمْ هَوًى أَوْ خَالَفَهُ‏.‏ كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ‏}‏ فَإِذَا عَزَمْتَ ‏"‏، أَيْ‏:‏ عَلَى أَمْرٍ جَاءَكَ مِنِّي، أَوْ أَمْرٍ مِنْ دِينِكَ فِي جِهَادِ عَدُوِّكَ لَا يُصْلِحُكَ وَلَا يُصْلِحُهُمْ إِلَّا ذَلِكَ، فَامْضِ عَلَى مَا أُمِرْتَ بِهِ، عَلَى خِلَافِ مَنْ خَالَفَكَ وَمُوَافَقَةِ مَنْ وَافَقَكَ وَ ‏{‏تَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ‏}‏، أَيْ‏:‏ ارْضَ بِهِ مِنَ الْعِبَادِ ‏"‏إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ‏}‏، أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَزَمَ عَلَى أَمْرٍ أَنْ يَمْضِيَ فِيهِ، وَيَسْتَقِيمَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، وَيَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ‏}‏، الْآيَةَ، أَمَرَهُ اللَّهُ إِذَا عَزَمَ عَلَى أَمْرٍ أَنْ يَمْضِيَ فِيهِ وَيَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏160‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكَُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ‏:‏ ‏"‏إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ ‏"‏، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، عَلَى مَنْ نَاوَأَكُمْ وَعَادَاكُمْ مِنْ أَعْدَائِهِ وَالْكَافِرِينَ بِهِ ‏{‏فَلَا غَالِبَ لَكَُمْ‏}‏ مِنَ النَّاسِ، يَقُولُ‏:‏ فَلَنْ يَغْلِبَكُمْ مَعَ نَصْرِهِ إِيَّاكُمْ أَحَدٌ، وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْكُمْ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا مِنْ خَلْقِهِ، فَلَا تَهَابُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ لِقِلَّةِ عَدَدِكُمْ وَكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ، مَا كُنْتُمْ عَلَى أَمْرِهِ وَاسْتَقَمْتُمْ عَلَى طَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، فَإِنَّ الْغَلَبَةَ لَكَُمْ وَالظَّفَرَ، دُونَهُمْ ‏{‏وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ إِنْ يَخْذُلْكُمْ رَبُّكُمْ بِخِلَافِكُمْ أَمْرَهُ وَتَرَكِكُمْ طَاعَتَهُ وَطَاعَةَ رَسُولِهِ، فَيَكِلُكُمْ إِلَى أَنْفُسِكُمْ ‏"‏فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ فَأَيِسُوا مِنْ نُصْرَةِ النَّاسِ، فَإِنَّكُمْ لَا تَجِدُونَ ‏[‏نَاصِرًا‏]‏ مِنْ بَعْدِ خِذْلَانِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ إِنْ خَذَلَكَُمْ، يَقُولُ‏:‏ فَلَا تَتْرُكُوا أَمْرِي وَطَاعَتِي وَطَاعَةَ رَسُولِي فَتَهْلَكَُوا بِخِذْلَانِي إِيَّاكُمْ ‏{‏وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ وَلَكَِنْ عَلَى رَبِّكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَتَوَكَّلُوا دُونَ سَائِرِ خَلْقِهِ، وَبِهِ فَارْضَوْا مِنْ جَمِيعِ مَنْ دُونِهُ، وَلِقَضَائِهِ فَاسْتَسْلِمُوا، وَجَاهِدُوا فِيهِ أَعْدَاءَهُ، يَكْفِكُمْ بِعَوْنِهِ، وَيُمْدِدْكُمْ بِنَصْرِهِ‏.‏ كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكَُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ‏}‏، أَيْ‏:‏ إِنْ يَنْصُرْكَ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكَ مِنَ النَّاسِ لَنْ يَضُرَّكَ خِذْلَانُ مَنْ خَذَلَكَ، وَإِنْ يَخْذُلْكَ فَلَنْ يَنْصُرَكَ النَّاسُ ‏"‏فَمِنَ الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ‏"‏، أَيْ‏:‏ لَا تَتْرُكْ أَمْرِي لِلنَّاسِ، وَارْفُضْ ‏[‏أَمْرَ‏]‏ النَّاسِ لِأَمْرِي، وَعَلَى اللَّهِ، ‏[‏لَا عَلَى النَّاسِ‏]‏، فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏161‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏‏.‏

اخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَرَأَتْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ قَرَأَةِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏، بِمَعْنَى‏:‏ أَنْ يَخُونَ أَصْحَابَهُ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْوَالِ أَعْدَائِهِمْ‏.‏ وَاحْتَجَّ بَعْضُ قَارِئِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ‏:‏ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَطِيفَةٍ فُقِدَتْ مِنْ مَغَانِمِ الْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا‏!‏ ‏"‏، وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ رِوَايَاتٍ، فَمِنْهَا مَا‏:‏

حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا خَصِيفٌ قَالَ، حَدَّثَنَا مِقْسَمٌ قَالَ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏، نَزَلَتْ فِي قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ فُقِدَتْ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ‏:‏ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ‏:‏ أَخَذَهَا‏!‏ قَالَ‏:‏ فَأَكْثَرُوا فِي ذَلِكَ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏(‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ، حَدَّثَنَا خَصِيفٌ قَالَ، سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ‏:‏ كَيْفَ تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏ أَوْ‏:‏ ‏"‏يُغَلِّ‏"‏ قَالَ‏:‏ لَا بَلْ ‏"‏يَغُلُّ ‏"‏، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ وَاللَّهِ يُغَلِّ وَيَقْتُلُ‏.‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ قَالَ، حَدَّثَنَا عِتَابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ خَصِيفٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ ذَلِكَ فِي قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ فُقِدَتْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، فَقَالَ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏فَلَعَلَّ النَّبِيَّ أَخَذَهَا‏"‏‏!‏ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏ ‏[‏قَالَ سَعِيدٌ‏:‏ بَلَى وَاللَّهِ، إِنَّ النَّبِيَّ لِيُغَلِّ وَيُقَتِّلُ‏]‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا خَلَّادٌ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ خَصِيفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ ‏(‏كَانَتْ قَطِيفَةً فُقِدَتْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالُوا‏:‏ أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏!‏‏.‏ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا خَصِيفٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏، قَالَا يَغُلُّ قَالَ قَالَ عِكْرِمَةُ أَوْ غَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ ‏(‏كَانَتْ قَطِيفَةً فُقِدَتْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالُوا‏:‏ أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏!‏ قَالَ‏:‏ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ، حَدَّثَنَا قَزَعَةُ بْنُ سُوَيْدٍ الْبَاهِلِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏، فِي قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ فُقِدَتْ يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْغَنِيمَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ قَالَ‏:‏ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقْرَأُ‏:‏ ‏(‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلَّ‏)‏، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ بَلَى، وَيُقْتَلُ قَالَ‏:‏ فَذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَتْ فِي قَطِيفَةٍ قَالُوا‏:‏ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَّهَا، يَوْمَ بَدْرٍ‏.‏ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، بِفَتْحِ ‏"‏الْيَاءِ ‏"‏ وَضَمِّ ‏"‏الْغَيْنِ ‏"‏‏:‏ إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي طَلَائِعَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَّهَهُمْ فِي وَجْهٍ، ثُمَّ غَنِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُقْسِمْ لِلطَّلَائِعِ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُعَلِّمُهُ فِيهَا أَنَّ فِعْلَهُ الَّذِي فَعَلَهُ خَطَأٌ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ أَنْ يُقَسِّمَ لِلطَّلَائِعِ مِثْلَ مَا قَسَّمَ لِغَيْرِهِمْ، وَيُعَرِّفُهُ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مِنَ الْحُكْمِ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْغَنَائِمِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخُصَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَحَدًا مِمَّنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ- أَوْ مِمَّنْ كَانَ رِدْءًا لَهُمْ فِي غَزْوِهِمْ- دُونَ أَحَدٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ أَنْ يُقَسِّمَ لِطَائِفَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَيَتْرُكَ طَائِفَةً وَيَجُورَ فِي الْقَسْمِ، وَلَكَِنْ يُقْسِمُ بِالْعَدْلِ، وَيَأْخُذُ فِيهِ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَيَحْكُمُ فِيهِ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَجْعَلَ نَبِيًّا يَغُلُّ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَنُّوا بِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَنْ يُعْطِيَ بَعْضًا، وَيَتْرُكَ بَعْضًا، إِذَا أَصَابَ مَغْنَمًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ‏:‏ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَائِعَ، فَغَنِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يُقَسِّمْ لِلطَّلَائِعِ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ‏:‏ ‏"‏مَا ‏{‏كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُقَسِّمَ لِطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَيَتْرُكَ طَائِفَةً، وَلَكَِنْ يَعْدِلُ وَيَأْخُذُ فِي ذَلِكَ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَحْكُمُ فِيهِ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ قَالَ، أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا كَانَ لَهُ إِذَا أَصَابَ مَغْنَمًا أَنْ يُقْسِمَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ وَيَدَعَ بَعْضًا، وَلَكَِنْ يُقْسِمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِفَتْحِ ‏"‏الْيَاءِ ‏"‏ وَضَمِّ ‏"‏الْغَيْنِ ‏"‏‏:‏ إِنَّمَا أَنْـزَلَ ذَلِكَ تَعْرِيفًا لِلنَّاسِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَكْتُمُ مِنْ وَحْيِ اللَّهِ شَيْئًا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوُفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يَظْلِمُونَ‏}‏، أَيْ‏:‏ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكْتُمَ النَّاسَ مَا بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ إِلَيْهِمْ عَنْ رَهْبَةٍ مِنَ النَّاسِ وَلَا رَغْبَةٍ، وَمَنْ يَعْمَلْ ذَلِكَ يَأْتِ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَتَأْوِيلُ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ‏:‏ مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ غَالًّا- بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الْأَنْبِيَاءِ خِيَانَةَ أُمَمِهِمْ‏.‏

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏غَلَّ الرَّجُلُ فَهُوَ يَغُلُّ ‏"‏، إِذَا خَانَ، ‏"‏غُلُولًا ‏"‏‏.‏ وَيُقَالُ أَيْضًا مِنْهُ‏:‏ ‏"‏أَغَلَّ الرَّجُلُ فَهُوَ يُغِلُّ إِغْلَالًا ‏"‏، كَمَا قَالَ شُرَيْحٌ‏:‏ ‏"‏لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ غَيْرُ الْخَائِنِ‏.‏ وَيُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏أَغَلَّ الْجَازِرُ ‏"‏، إِذَا سَرَقَ مِنَ اللَّحْمِ شَيْئًا مَعَ الْجِلْدِ‏.‏

وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيلُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخُونَ، فَكَمَا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخُونَ فَلَا تَخُونُوا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَنْ يَخُونَ‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلَّ‏}‏ بِضَمِّ ‏"‏الْيَاءِ ‏"‏ وَفَتْحِ ‏"‏الْغَيْنِ ‏"‏، وَهِيَ قِرَاءَةُ عِظَمِ قَرَأَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ‏.‏

وَاخْتَلَفَ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي تَأْوِيلِهِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّهُ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ أَسْقَطَ ‏"‏الْأَصْحَابَ ‏"‏، فَبَقِيَ الْفِعْلُ غَيْرَ مُسَمًّى فَاعِلُهُ‏.‏ وَتَأْوِيلُهُ‏:‏ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُخَانَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ‏:‏ ‏"‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلِّ ‏"‏ قَالَ عَوْفٌ، قَالَ الْحَسَنُ‏:‏ أَنْ يُخَانَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّهُ أَصْحَابُهُ الَّذِينَ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- ذَكَرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ غَلَّ طَوَائِفُ مِنْ أَصْحَابِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَنْ يَغُلَّهُ أَصْحَابُهُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏، قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، يَقُولُ‏:‏ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّهُ أَصْحَابُهُ الَّذِينَ مَعَهُ- قَالَ‏:‏ ذُكِرَ لَنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏:‏ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْـزِلَتْ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ غَلَّ طَوَائِفُ مِنْ أَصْحَابِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُتَّهَمَ بِالْغُلُولِ فَيُخَوَّنَ وَيُسَرَّقَ‏.‏ وَكَأَنَّ مُتَأَوِّلِي ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَجَّهُوا قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏ إِلَى أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ‏:‏ ‏"‏يُغَلَّلُ ‏"‏، ثُمَّ خُفِّفَتِ ‏"‏الْعَيْن‏"‏ مَنْ ‏"‏يُفَعَّلُ ‏"‏، فَصَارَتْ ‏"‏يَفْعَلُ ‏"‏ كَمَا قَرَأَ مَنْ قَرَأَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْأَنْعَامِ‏:‏ 33‏]‏ بِتَأَوُّلِ‏:‏ يُكَذِّبُونَكَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏ بِمَعْنَى‏:‏ مَا الْغُلُولُ مِنْ صِفَاتِ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا يَكُونُ نَبِيًّا مَنْ غَلَّ‏.‏

وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْعَدَ عَقِيبَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلُّ‏}‏ أَهْلَ الْغُلُولِ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏، الْآيَةَ وَالَّتِي بَعْدَهَا‏.‏ فَكَانَ فِي وَعِيدِهِ عَقِيبَ ذَلِكَ أَهْلَ الْغُلُولِ، الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى بِذَلِكَ عَنِ الْغُلُولِ، وَأَخْبَرَ عِبَادَهُ أَنَّ الْغُلُولَ لَيْسَ مِنْ صِفَاتِ أَنْبِيَائِهِ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏‏.‏ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إِنَّمَا نَهَى بِذَلِكَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّهِمُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغُلُولِ، لَعَقَّبَ ذَلِكَ بِالْوَعِيدِ عَلَى التُّهَمَةِ وَسُوءِ الظَّنِّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا بِالْوَعِيدِ عَلَى الْغُلُولِ‏.‏ وَفِي تَعْقِيبِهِ ذَلِكَ بِالْوَعِيدِ عَلَى الْغُلُولِ، بَيَانٌ بَيِّنٌ، أَنَّهُ إِنَّمَا عَرَّفَ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ عِبَادِهِ أَنَّ الْغُلُولَ مُنْتَفٍ مِنْ صِفَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَخْلَاقِهِمْ، لِأَنَّ ذَلِكَ جُرْمٌ عَظِيمٌ، وَالْأَنْبِيَاءُ لَا تَأْتِي مِثْلَهُ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ‏:‏ فَأَوْلَى مِنْهُ ‏"‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَخُونَهُ أَصْحَابُهُ ‏"‏، إِنْ كَانَ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَتُ، وَلَمْ يُعَقِّبِ اللَّهُ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ‏"‏إِلَّا بِالْوَعِيدِ عَلَى الْغُلُولِ، وَلَكَِنَّهُ إِنَّمَا وَجَبَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ لِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ‏:‏ ‏"‏يُغَل‏"‏ بِضَمِّ ‏"‏الْيَاءِ ‏"‏ وَفَتْحِ ‏"‏الْغَيْنِ ‏"‏، لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَمَا كَانَ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَغُلَّهُ أَصْحَابُهُ، فَيَخُونُوهُ فِي الْغَنَائِمِ‏؟‏

قِيلَ لَهُ‏:‏ أَفَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَغُلُّوا غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَخُونُوهُ، حَتَّى خُصُّوا بِالنَّهْيِ عَنْ خِيَانَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ ‏"‏نَعَمْ ‏"‏، خَرَجُوا مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ‏.‏ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُبِحْ خِيَانَةَ أَحَدٍ فِي قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قَطُّ‏.‏

وَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ فِي نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ‏.‏

قِيلَ‏:‏ فَمَا وَجْهُ خُصُوصِهِمْ إذًا بِالنَّهْيِ عَنْ خِيَانَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَغُلُولِهِ وَغُلُولِ بَعْضِ الْيَهُودِ بمنَزَلَةٍ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْغَالِّ مِنْ أَمْوَالِهِمَا، وَمَا يَلْزَمُ الْمُؤْتَمَنَ مِنْ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ إِلَيْهِمَا‏؟‏

وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ هُوَ مَا قُلْنَا، مِنْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَفَى بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْغُلُولُ وَالْخِيَانَةُ مِنْ صِفَاتِ أَنْبِيَائِهِ، نَاهِيًا بِذَلِكَ عِبَادَهُ عَنِ الْغُلُولِ، وَآمِرًا لَهُمْ بِالِاسْتِنَانِ بِمِنْهَاجِ نَبِيِّهِمْ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ رِوَايَةِ عَطِيَّةَ، ثُمَّ عَقَّبَ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَهْيَهُمْ عَنِ الْغُلُولِ بِالْوَعِيدِ عَلَيْهِ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ‏"‏، الْآيَتَيْنِ مَعًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏161‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمَنْ يَخُنْ مِنْ غَنَائِمِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا وَفَيْئِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ، يَأْتِ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْمَحْشَرِ‏.‏

كَمَا‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زَرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَنَّهُ قَامَ خَطِيبًا فَوَعَظَ وَذَكَّرَ ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏(‏أَلَّا عَسَى رَجُلٌ مِنْكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ، يَقُولُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَغِثْنِي‏!‏ فَأَقُولُ‏:‏ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ‏!‏ أَلَا هَلْ عَسَى رَجُلٌ مِنْكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهَا حَمْحَمَةٌ، يَقُولُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَغِثْنِي‏!‏ فَأَقُولُ‏:‏ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ‏!‏ أَلَا هَلْ عَسَى رَجُلٌ مِنْكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ، يَقُولُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَغِثْنِي‏!‏ فَأَقُولُ‏:‏ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ‏!‏ أَلَا هَلْ عَسَى رَجُلٌ مِنْكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، يَقُولُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَغِثْنِي‏!‏ فَأَقُولُ‏:‏ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ‏!‏ أَلَّا عَسَى رَجُلٌ مِنْكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تُخْفِقُ يَقُولُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَغِثْنِي‏!‏ فَأَقُولُ‏:‏ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُك‏)‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبَى زَرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَ هَذَا زَادَ فِيهِ ‏(‏لَا أَلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ عَلَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاح‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زَرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ ‏(‏قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا يَوْمًا، فَذَكَرَ الْغُلُولَ، فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ فَقَالَ‏:‏ لَا أَلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، يَقُولُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي‏)‏ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ يَعْقُوبَ الْقَمِيِّ قَالَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏لَا أَعْرِفَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ شَاةً لَهَا ثُغَاءٌ، يُنَادِي‏:‏ يَا مُحَمَّدُ ‏!‏ يَا مُحَمَّدُ ‏!‏ فَأَقُولُ‏:‏ لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُكَ‏!‏ وَلَا أَعْرِفَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ جَمَلًا لَهُ رُغَاءٌ يَقُولُ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ ‏!‏ يَا مُحَمَّدُ ‏!‏ فَأَقُولُ‏:‏ لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، قَدْ بَلَّغَتُكَ‏!‏ وَلَا أَعْرِفَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ فَرَسًا لَهُ حَمْحَمَةٌ يُنَادِي‏:‏ يَا مُحَمَّدُ ‏!‏ يَا مُحَمَّدُ ‏!‏ فَأَقُولُ‏:‏ لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، قَدْ بَلَّغَتُكَ‏!‏ وَلَا أَعْرِفَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ قِشْعًا مِنْ أَدَمٍ، يُنَادِي‏:‏ يَا مُحَمَّدُ ‏!‏ يَا مُحَمَّدُ ‏!‏ فَأَقُولُ‏:‏ لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، قَدْ بَلَّغَتُك‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ، ‏(‏بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقًا فَجَاءَ بِسَوَادٍ كَثِيرٍ، قَالَ‏:‏ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَقْبِضُهُ مِنْهُ‏.‏ فَلَمَّا أَتَوْهُ جَعَلَ يَقُولُ‏:‏ هَذَا لِي، وَهَذَا لَكَُمْ‏.‏ قَالَ فَقَالُوا‏:‏ مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَهْدِيَ إِلَيَّ‏!‏ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخْبِرُوهُ بِذَلِكَ، فَخَرَجَ فَخَطَبَ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏أَيُّهَا النَّاسُ، مَا بَالِي أَبْعَثُ قَوْمًا إِلَى الصَّدَقَةِ، فَيَجِيءُ أَحَدُهُمْ بِالسَّوَادِ الْكَثِيرِ، فَإِذَا بَعَثْتُ مَنْ يَقْبِضُهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏هَذَا لِي، وَهَذَا لَكَُمْ ‏"‏‏!‏ فَإِنْ كَانَ صَادِقًا أَفَلَا أُهْدِيَ لَهُ وَهُوَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ‏؟‏ ‏"‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏"‏أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ بَعَثْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَغَلَّ شَيْئًا، جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى عُنُقِهِ يَحْمِلُهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى عُنُقِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ تَخُورُ، أَوْ شَاةٌ تَثْغُو‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَعَبَدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ‏:‏ ‏(‏اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مَنَّ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ‏"‏ابْنُ الْأَتْبِيَّة‏"‏ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سَلِيمٍ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ‏:‏ ‏"‏هَذَا لَكَُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي ‏"‏‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَفَلَا يَجْلِسُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ فَتَأْتِيهِ هَدِيَّتُهُ‏!‏ ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏"‏أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ رِجَالًا مِنْكُمْ عَلَى أُمُورٍ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ‏:‏ هَذَا الَّذِي لَكَُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ إِلَيَّ‏!‏ أَفَلَا يَجْلِسُ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ فَتَأْتِيهِ هَدِيَّتُهُ‏؟‏ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ، فَلَا أَعْرِفَنَّ مَا جَاءَ رَجُلٌ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ‏!‏ ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ‏"‏‏)‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، حَدَّثَهُ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ‏:‏ ‏(‏أَفَلَا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ‏؟‏ ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى إِنِّي لِأَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ إِبِطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ‏؟‏‏)‏ قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ‏:‏ بَصَرُ عَيْنِي وَسَمْعُ أُذُنِي‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ وَقَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ‏:‏ أَنَّ مُوسَى بْنَ جُبَيْرٍ حَدَّثَهُ‏:‏ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحُبَابِ الْأَنْصَارِيَّ حَدَّثَهُ‏:‏ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ حَدَّثَهُ‏:‏ أَنَّهُ تَذَاكَرَ هُوَ وَعُمْرُ يَوْمًا الصَّدَقَةَ فَقَالَ‏:‏ أَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ ذَكَرَ غُلُولَ الصَّدَقَةِ‏:‏ ‏"‏ ‏(‏مِنْ غَلَّ مِنْهَا بَعِيرًا أَوْ شَاةً، فَإِنَّهُ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏)‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ‏:‏ بَلَى‏.‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ ‏(‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ مُصَدِّقًا، فَقَالَ‏:‏ إِيَّاكَ، يَا سَعْدُ، أَنْ تَجِيءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِبَعِيرٍ تَحْمِلُهُ رُغَاءً‏!‏ قَالَ‏:‏ لَا آخُذْهُ وَلَا أَجِئْ بِهِ‏!‏ فَأَعْفَاهُ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْحِمْصِيُّ أَبُو حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ رَوْحٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ قَالَ، حَدَّثَنِي عَبِيدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَنَّهُ ‏(‏اسْتَعْمَلَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إِيَّاكَ، يَا سَعْدُ، أَنْ تَجِيءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْمِلُ عَلَى عُنُقِكَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ‏!‏ فَقَالَ سَعْدٌ‏:‏ فَإِنْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ذَلِكَ لِكَائِنٌ‏!‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏!‏ قَالَ سَعْدٌ‏:‏ قَدْ عَلِمْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي أَسأَلُ فَأُعْطَى‏!‏ فَأَعْفِنِى‏.‏ فَأَعْفَاه‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حِبَّانَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ، حَدَّثَنِي جَدِّي عُبَيْدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ- وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ بِالْمَدِينَةِ- قَالَ‏:‏ اسْتُعْمِلْتُ عَلَى صَدَقَةِ دَوْسٍ، فَجَاءَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي خَرَجْتُ فِيهِ، فَسَلَّمَ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ‏:‏ كَيْفَ أَنْتَ وَالْبَعِيرُ‏؟‏ كَيْفَ أَنْتَ وَالْبَقْرُ‏؟‏ كَيْفَ أَنْتَ وَالْغَنَمُ‏؟‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ حبِيِّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏مَنْأَخَذَ بَعِيرًا بِغَيْرِ حَقِّهِجَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ رُغَاءٌ، وَمِنْ أَخَذَ بَقَرَةً بِغَيْرِ حَقِّهَا جَاءَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهَا خُوَارٌ، وَمَنْ أَخَذَ شَاةً بِغَيْرِ حَقِّهَا جَاءَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى عُنُقِهِ لَهَا يُعَار‏)‏، فَإِيَّاكَ وَالْبَقْرَ فَإِنَّهَا أَحَدُّ قُرُونًا وَأَشُدُّ أَظْلَافًا‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مُخَلَّدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ جَدِّهِ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ‏:‏ اسْتُعْمِلْتُ عَلَى صَدَقَةِ دَوْسٍ، فَلَمَّا قَضَيْتُ الْعَمَلَ قَدِمْتُ، فَجَاءَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ فَسَلَّمَ عَلَيَّ فَقَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي كَيْفَ أَنْتَ وَالْإِبِلُ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِ عَنْ زَيْدٍ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى عُنُقِهِ لَهُ رُغَاءٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏، قَالَ قَتَادَةَ‏:‏ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَنِمَ مَغْنَمًا بَعَثَ مُنَادِيًا ‏(‏أَلَا لَا يَغُلَّنَّ رَجُلٌ مِخْيَطًا فَمَا دُونَهُ، أَلَا لَا يَغُلَّنَّ رَجُلٌ بَعِيرًا فَيَأْتِي بِهِ عَلَى ظَهْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ رُغَاءٌ، أَلَا لَا يَغُلَّنَّ رَجُلٌ فَرَسًا، فَيَأْتِي بِهِ عَلَى ظَهْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ حَمْحَمَةٌ‏)‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏161‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏"‏ثُمَّ تَوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ‏"‏، ثُمَّ تُعْطَى كُلُّ نَفْسِ جَزَاءَ مَا كَسَبَتْ بِكَسْبِهَا، وَافِيًا غَيْرَ مَنْقُوصٍ مَا اسْتَحَقَّهُ وَاسْتَوْجَبَهُ مِنْ ذَلِكَ ‏"‏وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ لَا يَفْعَلُ بِهِمْ إِلَّا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ بِهِمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَيْهِمْ فَيَنْقُصُوا عَمَّا اسْتَحَقُّوهُ‏.‏

كَمَا‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏"‏ثُمَّ تَوَفَّى كُلُّ نَفْسِ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ‏"‏، ثُمَّ يُجْزَى بِكَسْبِهِ غَيْرَ مَظْلُومٍ وَلَا مُتَعَدًّى عَلَيْهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏162‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ‏:‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أَفَمَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ فِي تَرْكِ الْغُلُولِ، كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ بِغُلُولِهِ مَا غَلَّ‏؟‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُطْرِفٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَنْ لَمْ يَغُلَّ ‏"‏كَمَنْ بَاءَ بِسُخْطٍ مِنَ اللَّهِ ‏"‏، كَمَنْ غَلَّ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُطْرِفٍ بْنِ طَرِيفٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَنْ أَدَّى الْخُمُسَ ‏"‏كَمَنْ بَاءَ بِسُخْطٍ مِنَ اللَّهِ ‏"‏، فَاسْتَوْجَبَ سُخْطًا مِنَ اللَّهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا‏:‏

حَدَّثَنِي بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏أَفَمِنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ‏}‏، عَلَى مَا أَحَبَّ النَّاسُ وَسَخِطُوا ‏"‏كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ ‏"‏، لِرِضَى النَّاسِ وَسُخْطِهِمْ‏؟‏ يَقُولُ‏:‏ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى طَاعَتِي فَثَوَابُهُ الْجَنَّةُ وَرِضْوَانٌ مِنْ رَبِّهِ، كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ، فَاسْتَوْجَبَ غَضَبَهُ، وَكَانَ مَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ‏؟‏ أَسَوَاءٌ الْمَثَلَانِ‏؟‏ أَيْ‏:‏ فَاعْرِفُوا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ عِنْدِي، قَوْلُ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ‏.‏ لِأَنَّ ذَلِكَ عَقِيبَوَعِيدِ اللَّهِ عَلَى الْغُلُولِ، وَنَهْيِهِ عِبَادَهُ عَنْهُ‏.‏ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْ ذَلِكَ وَوَعِيدِهِ‏:‏ أَسْوَاءٌ الْمُطِيعُ لِلَّهِ فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ، وَالْعَاصِي لَهُ فِي ذَلِكَ‏؟‏ أَيْ‏:‏ إِنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ، وَلَا تَسْتَوِي حَالَتَاهُمَا عِنْدَهُ‏.‏ لِأَنَّ لِمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ، الْجَنَّةُ، وَلِمَنْ عَصَاهُ فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ النَّارُ‏.‏

فَمَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ‏}‏ إذًا‏:‏ أَفَمَنْ تَرَكَ الْغُلُولَ وَمَا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ مَعَاصِيهِ، وَعَمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ فِي تَرْكِهِ ذَلِكَ، وَفِي غَيْرِهِ مِمَّا أَمَرَهُ بِهِ وَنَهَاهُ مِنْ فَرَائِضِهِ، مُتَّبِعًا فِي كُلِّ ذَلِكَ رِضَا اللَّهِ، وَمُجْتَنِبًا سُخْطَهُ ‏"‏كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ كَمَنْ انْصَرَفَ مُتَحَمِّلًا سَخَطَ اللَّهِ وَغَضَبَهُ، فَاسْتَحَقَّ بِذَلِكَ سُكْنَى جَهَنَّم‏"‏ يَقُولُ‏:‏ لَيْسَا سَوَاءً‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ‏"‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ الَّذِي يَصِيرُ إِلَيْهِ وَيَئُوبُ إِلَيْهِ مِنْ بَاءٍ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ جَهَنَّمُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏163‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ‏:‏ أَنَّ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ وَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ، مُخْتَلِفُو الْمَنَازِلِ عِنْدَ اللَّهِ‏.‏ فَلِمَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ، الْكَرَامَةُ وَالثَّوَابُ الْجَزِيلُ، وَلِمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ، الْمَهَانَةُ وَالْعِقَابُ الْأَلِيمُ، كَمَا‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ‏}‏ أَيْ‏:‏ لِكُلِّ دَرَجَاتٍ مِمَّا عَمِلُوا فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، إِنَّاللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَهْلُ طَاعَتِهِ مِنْ أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ بِأَعْمَالِهِمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ، يَعْنِي‏:‏ لِمَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ مَنَازِلُ عِنْدَ اللَّهِ كَرِيمَةٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هِيَ كَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ قَوْلُهُ ‏"‏هُمْ دَرَجَاتٌ ‏"‏ كَقَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ ‏"‏هُمْ طَبَقَاتٌ ‏"‏، كَمَا قَالَ ابْنُ هَرْمَةَ‏:‏

أرَجْمًـا لِلْمَنُـونِ يَكُـونُ قَـوْمِي *** لِـرَيْبِ الدَّهْـرِ أَمْ دَرَجُ السُّـيُولِ

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ‏"‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ وَاللَّهُ ذُو عِلْمٍ بِمَا يَعْمَلُ أَهْلُ طَاعَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ شَيْءٌ، يُحْصَى عَلَى الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا أَعْمَالُهُمْ، حَتَّى تَوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مِنْهُمْ جَزَاءَ مَا كَسَبَتْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَهْلُ طَاعَتِهِ مِنْ أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏164‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ لَقَدْ تَطَوَّلَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ‏{‏إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا‏}‏، حِينَ أَرْسَلَ فِيهِمْ رَسُولًا ‏"‏مِنْ أَنْفُسِهِمْ ‏"‏، نَبِيًّا مِنْ أَهْلِ لِسَانِهِمْ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ لِسَانِهِمْ فَلَا يَفْقَهُوا عَنْهُ مَا يَقُولُ ‏{‏يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ يَقْرَأُ عَلَيْهِمْ آيَ كِتَابِهِ وَتَنْـزِيلِه‏"‏ وَيُزَكِّيهِمْ ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ يُطَهِّرُهُمْ مِنْ ذُنُوبِهِمْ بِاتِّبَاعِهِمْ إِيَّاهُ وَطَاعَتِهِمْ لَهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ ‏{‏وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ وَيَعْلَمُهُمْ كِتَابَ اللَّهِ الَّذِي أَنْـزَلَهُ عَلَيْهِ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ تَأْوِيلَهُ وَمَعَانِيهِ ‏"‏وَالْحِكْمَةَ ‏"‏، وَيَعْنِي بِالْحِكْمَةِ، السُّنَّةَ الَّتِي سَنَّهَا اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَيَانَهُ لَهُمْ ‏{‏وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ وَإِنَّ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمُنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِإِرْسَالِهِ رَسُولَهُ الَّذِي هَذِهِ صِفَتُهُ ‏"‏لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ فِي جَهَالَةٍ جَهْلَاءَ، وَفِي حِيرَةٍ عَنِ الْهُدَى عَمْيَاءَ، لَا يَعْرِفُونَ حَقًّا، وَلَا يُبْطِلُونَ بَاطِلًا‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا أَصْلَ ‏"‏الضَّلَالَةِ ‏"‏ فِيمَا مَضَى، وَأَنَّهُ الْأَخْذُ عَلَى غَيْرِ هُدَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏‏.‏

وَ ‏"‏الْمُبِينُ ‏"‏، الَّذِي يُبَيِّنُ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ بِعَقْلِهِ وَتَدَبَّرَهُ بِفَهْمِهِ، أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ وَلَا هُدًى‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏}‏، مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ وَلَا رَغْبَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، جَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لَهُمْ لِيُخْرِجَهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ‏}‏، الْحِكْمَةُ، السَّنَةُ ‏{‏وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ‏}‏، لَيْسَ وَاللَّهِ كَمَا تَقُولُ أَهْلُ حُرَوْرَاءَ‏:‏ ‏"‏مِحْنَةٌ غَالِبَةٌ، مَنْ أَخْطَأَهَا أُهْرِيقَ دَمُهُ ‏"‏، وَلَكَِنَّ اللَّهَ بَعَثَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْمٍ لَا يَعْلَمُونَ فَعَلَّمَهُمْ، وَإِلَى قَوْمٍ لَا أَدَبَ لَهُمْ فَأَدَّبَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ، ‏{‏لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏}‏، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ‏}‏، أَيْ‏:‏ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ، إِذْ بَعَثَ فِيكُمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيكُمْ فِيمَا أَحْدَثْتُمْ وَفِيمَا عَمِلْتُمْ، وَيُعَلِّمُكُمُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، لِتَعْرِفُوا الْخَيْرَ فَتَعْمَلُوا بِهِ، وَالشَّرَّ فَتَتَّقُوهُ، وَيُخْبِرُكُمْ بِرِضَاهُ عَنْكُمْ إِذْ أَطَعْتُمُوهُ، لِتَسْتَكْثِرُوا مِنْ طَاعَتِهِ، وَتَجْتَنِبُوا مَا سَخِطَ مِنْكُمْ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، فَتَتَخَلَّصُوا بِذَلِكَ مِنْ نِقْمَتِهِ، وَتُدْرِكُوا بِذَلِكَ ثَوَابَهُ مَنْ جَنَّتِهِ ‏{‏وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ‏}‏، أَيْ‏:‏ فِي عَمْيَاءَ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا تَعْرِفُونَ حَسَنَةً وَلَا تَسْتَغْفِرُونَ مِنْ سَيِّئَةٍ، صُمٌّ عَنِ الْحَقِّ، عُمْيٌ عَنِ الْهُدَى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏165‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏{‏أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ‏:‏ أوَحِينَ أَصَابَتْكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، ‏"‏مُصِيبَةٌ ‏"‏، وَهِيَ الْقَتْلَى الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، وَالْجَرْحَى الَّذِينَ جُرِحُوا مِنْهُمْ بِأُحُدٍ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَتَلُوا مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ نَفَرًا ‏{‏قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ قَدْ أَصَبْتُمْ، أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِثْلَيْ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي أَصَابُوا هُمْ مِنْكُمْ، وَهِيَ الْمُصِيبَةُ الَّتِي أَصَابَهَا الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ ‏{‏قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا‏}‏، يَعْنِي‏:‏ قُلْتُمْ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَتُكُمْ بِأُحُدٍ ‏"‏أَنَّى هَذَا ‏"‏، مِنْ أَيِّ وَجْهٍ هَذَا‏؟‏ وَمَنْ أَيْنَ أَصَابَنَا هَذَا الَّذِي أَصَابَنَا، وَنَحْنُ مُسْلِمُونَ وَهُمْ مُشْرِكُونَ، وَفِينَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ، وَعَدُوُّنَا أَهْلُ كُفْرٍ بِاللَّهِ وَشِرْكٍ‏؟‏ ‏"‏قُلْ ‏"‏ يَا مُحَمَّدُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِكَ مِنْ أَصْحَابِكَ ‏{‏هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ قُلْ لَهُمْ‏:‏ أَصَابَكُمْ هَذَا الَّذِي أَصَابَكُمْ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ، بِخِلَافِكُمْ أَمْرِي وَتَرْكِكُمْ طَاعَتِي، لَا مِنْ عِنْدِ غَيْرِكُمْ، وَلَا مِنْ قِبَلِ أَحَدٍ سِوَاكُمْ ‏"‏إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ عَلَى جَمِيعِ مَا أَرَادَ بِخُلُقِهِ مِنْ عَفْوٍ وَعُقُوبَةٍ، وَتَفَضُّلٍ وَانْتِقَامٍ ‏"‏قَدِيرٌ ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ ذُو قُدْرَةٍ‏.‏‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏‏:‏ ‏"‏قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ‏"‏، بَعْدَ إِجْمَاعِ جَمِيعِهِمْ عَلَى أَنْ تَأْوِيلَ سَائِرِ الْآيَةِ عَلَى مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ تَأْوِيلُ ذَلِكَ‏:‏ ‏{‏قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ‏}‏، بِخِلَافِكُمْ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَشَارَ عَلَيْكُمْ بِتَرْكِ الْخُرُوجِ إِلَى عَدُوِّكُمْ وَالْإِصْحَارِ لَهُمْ حَتَّى يَدْخُلُوا عَلَيْكُمْ مَدِينَتَكُمْ، وَيَصِيرُوا بَيْنَ آطَامِكُمْ، فَأَبَيْتُمْ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقُلْتُمْ‏:‏ ‏"‏اخْرُجْ بِنَا إِلَيْهِمْ حَتَّى نُصْحِرَ لَهُمْ فَنُقَاتِلُهُمْ خَارِجَ الْمَدِينَةِ ‏"‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا‏}‏ أُصِيبُوا يَوْمَ أُحُدٍ، قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ يَوْمَئِذٍ، وَأَصَابُوا مِثْلَيْهَا يَوْمَ بَدْرٍ، قَتَلُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ ‏"‏قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ‏"‏، ذَكَرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَ أُحُدٍ، حِينَ قَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ وَالْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ‏:‏ ‏"‏أَنَا فِي جُنَّةٍ حَصِينَةٍ ‏"‏، يَعْنِي بِذَلِكَ الْمَدِينَةَ، ‏"‏فَدَعُوا الْقَوْمَ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْنَا نُقَاتِلُهُم‏"‏ فَقَالَ لَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ‏:‏ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّا نَكْرَهُ أَنْ نُقْتَلَ فِي طُرُقِ الْمَدِينَةِ، وَقَدْ كُنَّا نَمْتَنِعُ مِنَ الْغَزْوِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَبِالْإِسْلَامِ أَحَقُّ أَنْ نَمْتَنِعَ مِنْهُ‏!‏ فَابْرُزْ بِنَا إِلَى الْقَوْمِ‏.‏ فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ، فَتَلَاوَمَ الْقَوْمُ فَقَالُوا‏:‏ عَرَّضَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرٍ وَعَرَّضْتُمْ بِغَيْرِهِ‏!‏ اذْهَبْ يَا حَمْزَةَ فَقُلْ لِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏أَمْرُنَا لِأَمْرِكَ تَبَعٌ ‏"‏‏.‏ فَأَتَى حَمْزَةُ فَقَالَ لَهُ‏:‏ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ الْقَوْمَ قَدْ تَلَاوَمُوا وَقَالُوا‏:‏ ‏"‏أَمْرُنَا لِأَمْرِكَ تَبَعٌ ‏"‏‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يُنَاجِزَ، وَإِنَّهُ سَتَكُونُ فِيكُمْ مُصِيبَةٌ‏.‏ قَالُوا‏:‏ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، خَاصَّةً أَوْ عَامَّةً‏؟‏ قَالَ‏:‏ سَتَرَوْنَهَا ذَكَرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّ بَقَرًا تُنْحَرُ، فَتَأَوَّلَهَا قَتْلًا فِي أَصْحَابِهِ وَرَأَى أَنَّ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ انْقَصَمَ، فَكَانَ قَتْلُ عَمِّهِ حَمْزَةَ، قُتِلُ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ‏:‏ أَسَدُ اللَّهِ وَرَأَى أَنَّ كَبْشًا عُتِرَ، ‏.‏ فَتَأَوَّلَهُ كَبْشَ الْكَتِيبَةِ، عُثْمَانَ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ، أُصِيبَ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ مَعَهُ لِوَاءُ الْمُشْرِكِينَ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بِنَحْوِهِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مِثْلَيْ مَا أُصِيبَ مِنْكُمْ ‏{‏قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ بِمَا عَصَيْتُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ أُحُدٍ مُصِيبَةً، وَكَانُوا قَدْ أَصَابُوا مِثْلَيْهَا يَوْمَ بَدْرٍ مِمَّنْ قَتَلُوا وَأَسَرُوا، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ، وَقَتَلَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبْعِينَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا‏}‏ إِذْ نَحْنُ مُسْلِمُونَ، نُقَاتِلُ غَضَبًا لِلَّهِ وَهَؤُلَاءِ مُشْرِكُونَ ‏{‏قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ‏}‏، عُقُوبَةً لَكَُمْ بِمَعْصِيَتِكُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ مَا قَالَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ‏}‏، قَالُوا‏:‏ فَإِنَّمَا أَصَابَنَا هَذَا لِأَنَّا قَبِلْنَا الْفِدَاءَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْأَسَارَى، وَعَصَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَمِنْ قُتِلَ مِنَّا كَانَ شَهِيدًا، وَمَنْ بَقِيَ مِنَّا كَانَ مُطَهَّرًا، رَضِينَا رَبَّنَا‏!‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ جُرَيْجٍ قَالَا مَعْصِيَتُهُمْ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ‏:‏ ‏"‏لَا تَتَّبِعُوهُمْ ‏"‏، يَوْمَ أُحُدٍ، فَاتَّبَعُوهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ-يَعْنِي بِأُحُدٍ- وَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ إِنْسَانًا ‏{‏أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا‏}‏، كَانُوا يَوْمَ بَدْرٍ أَسَرُوا سَبْعِينَ رَجُلًا وَقَتَلُوا سَبْعِينَ ‏{‏قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا‏}‏، أَنْ‏:‏ مِنْ أَيْنَ هَذَا ‏{‏قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ‏}‏، أَنَّكُمْ عَصَيْتُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّكُمْ أَصَبْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مِثْلَيْ مَا أَصَابُوا مِنْكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصِيبَةَ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ‏}‏، أَيْ‏:‏ إِنْ تَكُ قَدْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ فِي إِخْوَانِكُمْ، فَبِذُنُوبِكُمْ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قَبْلُ مِنْ عَدُوِّكُمْ، فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ بِبَدْرٍ، قَتْلَى وَأَسْرَى، وَنَسِيتُمْ مَعْصِيَتَكُمْ وَخِلَافَكُمْ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ أَنْتُمْ أَحْلَلْتُمْ ذَلِكَ بِأَنْفُسِكُمْ‏.‏ ‏"‏إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏"‏، أَيْ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ مَا أَرَادَ بِعِبَادِهِ مِنْ نِقْمَةٍ أَوْ عَفْوٍ، قَدِيرٌ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا‏}‏، الْآيَةَ، يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ أَنَّكُمْ أَصَبْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مِثْلَيْ مَا أَصَابُوا مِنْكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ بَلْ تَأْوِيلُ ذَلِكَ‏:‏ ‏{‏قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ‏}‏، بِإِسَارِكُمُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَخْذِكُمْ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ، وَتَرْكِكُمْ قَتْلَهُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سِوَارٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينِ، عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ، أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ وَقَتَلُوا سَبْعِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏اخْتَارُوا أَنْ تَأْخُذُوا مِنْهُمُ الْفِدَاءَ فَتَتَقَوَّوْا بِهِ عَلَى عَدُوِّكُمْ، وَإِنْ قَبِلْتُمُوهُ قُتِلَ مِنْكُمْ سَبْعُونَ أَوْ تَقْتُلُوهُمْ‏.‏ فَقَالُوا‏:‏ بَلْ نَأْخُذُ الْفِدْيَةَ مِنْهُمْ وَيُقْتَلُ مِنَّا سَبْعُون‏)‏‏.‏ قَالَ‏:‏ فَأَخَذُوا الْفِدْيَةَ مِنْهُمْ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ قَالَ عُبَيْدَةُ‏:‏ وَطَلَبُوا الْخَيِّرَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ‏:‏ أَنَّهُ قَالَ فِي أَسَارَى بَدْرٍ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏إِنْ شِئْتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَادَيْتُمُوهُمْ وَاسْتُشْهِدَ مِنْكُمْ بِعِدَّتِهِمْ‏.‏ قَالُوا‏:‏ بَلْ نَأْخُذُ الْفِدَاءَ فَنَسْتَمْتِعُ بِهِ، وَيَسْتَشْهِدُ مِنَّا بِعِدَّتِهِم‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ وَحَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ عَنْ عَلَيٍّ قَالَ‏:‏ ‏(‏جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَرِهَ مَا صَنَعَ قَوْمُكَ فِي أَخْذِهِمُ الْأَسَارَى، وَقَدْ أَمَرَكَ أَنْ تُخَيِّرَهُمْ بَيْنَ أَمْرَيْنِ‏:‏ أَنْ يُقَدَّمُوا فَتَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْفِدَاءَ عَلَى أَنْ يُقْتَلَ مِنْهُمْ عُدَّتُهُمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَشَائِرُنَا وَإِخْوَانُنَا‏!‏‏!‏ لَا بَلْ نَأْخُذُ فَدَاءَهُمْ فَنَتَقَوَّى بِهِ عَلَى قِتَالِ عَدُوِّنَا، وَيَسْتَشْهِدُ مِنَّا عِدَّتُهُمْ، فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا نَكْرَهُ‏!‏ قَالَ‏:‏ فَقُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ رِجْلًا عِدَّةَ أَسَارَى أَهْلِ بَدْر‏)‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏166‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ‏:‏ وَالَّذِي أَصَابَكُمْ ‏"‏يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ‏"‏، وَهُوَ يَوْمُ أُحُدٍ، حِينَ الْتَقَى جَمْعُ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ‏.‏ وَيَعْنِي بـ ‏"‏الَّذِي أَصَابَهُمْ ‏"‏، مَا نَالَ مِنَ الْقَتْلِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ، وَمِنَ الْجِرَاحِ مِنْ جُرِحَ مِنْهُمْ ‏"‏فَبِإِذْنِ اللَّهِ، ‏"‏ يَقُولُ‏:‏ فَهُوَ بِإِذْنِ اللَّهِ كَانَ يَعْنِي‏:‏ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ فِيكُمْ‏.‏‏.‏

وَأَجَابَ ‏"‏مَا ‏"‏بِالْفَاءِ، لِأَنَّ ‏"‏مَا‏"‏ حَرْفُ جَزَاءٍ، وَقَدْ بَيَّنْتُ نَظِيرَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ‏.‏

‏{‏وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا‏}‏، بِمَعْنَى‏:‏ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا، أَصَابَكُمْ مَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ بِأَُحُدٍ، لِيُمَيِّزَ أَهْلُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْكُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فَيَعْرِفُونَهُمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ أَمْرُ الْفَرِيقَيْنِ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيلَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ فِيمَا مَضَى، وَمَا وَجْهُ ذَلِكَ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏‏.‏

وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏، أَيْ‏:‏ مَا أَصَابَكُمْ حِينَ الْتَقَيْتُمْ أَنْتُمْ وَعَدُوُّكُمْ، فَبِإِذْنِي كَانَ ذَلِكَ حِينَ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ، بَعْدَ أَنْ جَاءَكُمْ نَصْرِي، وَصَدَقْتُكُمْ وَعْدِي، لِيُمَيِّزَ بَيْنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا مِنْكُمْ، أَيْ‏:‏ لِيُظْهِرُوا مَا فِيهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏167‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ الْمُنَافِقَ وَأَصْحَابَهُ، الَّذِينَ رَجَعُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ، حِينَ سَارَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ لِقِتَالِهِمْ، فَقَالَ لَهُمُ الْمُسْلِمُونَ‏:‏ تَعَالَوْا قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ مَعَنَا، أَوْ ادْفَعُوا بِتَكْثِيرِكُمْ سَوَادَنَا‏!‏ فَقَالُوا‏:‏ لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَسِرْنَا مَعَكُمْ إِلَيْهِمْ، وَلَكِنَّا مَعَكُمْ عَلَيْهِمْ، وَلَكَِنْ لَا نَرَى أَنَّهُ يَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْقَوْمِ قِتَالٌ‏!‏ فَأَبْدَوْا مِنْ نِفَاقِ أَنْفُسِهِمْ مَا كَانُوا يَكْتُمُونَهُ، وَأَبْدَوْا بِأَلْسِنَتِهِمْ بِقَوْلِهِمْ‏:‏ ‏{‏لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ‏}‏، غَيْرَ مَا كَانُوا يَكْتُمُونَهُ وَيُخْفُونَهُ مِنْ عَدَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ، كَمَا‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَالْحَصِينُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا، كُلِّهِمْ قَدْ حَدَّثَ قَالَ‏:‏ ‏(‏خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْنِي حِينَ خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ- فِي أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالشَّوْطِ بَيْنَ أُحُدٍ وَالْمَدِينَةِ، انْخَزَلَ عَنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ بِثُلْثِ النَّاسِ وَقَالَ‏:‏ أَطَاعَهُمْ فَخَرَجَ وَعَصَانِي‏!‏ وَاللَّهِ مَا نَدْرِي عَلَامَ نَقْتُلُ أَنْفُسَنَا هَاهُنَا أَيُّهَا النَّاسُ‏!‏‏!‏ فَرَجَعَ بِمَنْ اتَّبَعَهُ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ وَأَهْلِ الرَّيْبِ، وَاتَّبَعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ يَقُولُ‏:‏ يَا قَوْمُ، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ أَنْ تَخْذُلُوا نَبِيَّكُمْ وَقَوْمَكُمْ عِنْدَمَا حَضَرَ مِنْ عَدُوِّهِمْ‏!‏ فَقَالُوا‏:‏ لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَ مَا أَسْلَمْنَاكُمْ، وَلَكِنَّا لَا نَرَى أَنْ يَكُونَ قِتَالٌ‏!‏ فَلَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ وَأَبَوْا إِلَّا الِانْصِرَافَ عَنْهُمْ، قَالَ‏:‏ أَبْعَدَكُمُ اللَّهُ أَعْدَاءَ اللَّهِ‏!‏ فَسَيُغْنِي اللَّهُ عَنْكُمْ‏!‏ وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا‏}‏، يَعْنِي‏:‏ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ رَجَعُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَارَ إِلَى عَدُوِّهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَسِرْنَا مَعَكُمْ، وَلَدَفَعْنَا عَنْكُمْ، وَلَكَِنْ لَا نَظُنُّ أَنْ يَكُونَ قِتَالٌ‏.‏ فَظَهَرَ مِنْهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏"‏هُمْ ‏{‏لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ‏}‏، يُظْهِرُونَ لَكَ الْإِيمَانَ، وَلَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ، ‏"‏وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ‏"‏، أَيْ‏:‏ يُخْفُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ- فِي أَلْفِ رَجُلٍ، وَقَدْ وَعَدَهُمُ الْفَتْحَ إِنْ صَبَرُوا‏.‏ فَلَمَّا خَرَجُوا، رَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ، فَتَبِعَهُمْ أَبُو جَابِرٍ السُّلَمِيُّ يَدْعُوهُمْ، فَلِمَا غَلَبُوهُ وَقَالُوا لَهُ‏:‏ مَا نَعْلَمُ قِتَالًا وَلَئِنْ أَطَعْتَنَا لَتَرْجِعَنَّ مَعَنَا‏!‏ قَالَ‏:‏ فَذَكَرَ اللَّهُ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ، وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ حِينَ دَعَاهُمْ فَقَالُوا‏:‏ ‏"‏مَا نَعْلَمُ قِتَالًا وَلَئِنْ أَطَعْتُمُونَا لِتَرْجِعُنَّ مَعَنَا‏"‏، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ عِكْرِمَةُ‏:‏ ‏"‏قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ ‏"‏، قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏"‏لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا ‏"‏، قَالَ‏:‏ لَوْ نَعْلَمُ أَنَّا وَاجِدُونَ مَعَكُمْ قِتَالًا لَوْ نَعْلَمُ مَكَانَ قِتَالٍ، لَاتَّبَعْنَاكُمْ‏.‏

وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏أَوْ ادْفَعُوا ‏"‏‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ أَوْ كَثِّرُوا، فَإِنَّكُمْ إِذَا كَثَّرْتُمْ دَفَعْتُمُ الْقَوْمَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏أَوِ ادْفَعُوا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَوْ كَثِّرُوا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏أَوِ ادْفَعُوا‏}‏، قَالَ‏:‏ بِكَثْرَتِكُمُ الْعَدُوَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قِتَالٌ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أَوْ رَابِطُوا إِنْ لَمْ تُقَاتِلُوا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَفْصٍ الْآيِلِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُتْبَةُ بْنُ ضُمْرَةَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا عَوْنِ الْأَنْصَارِيَّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا‏}‏، قَالَ‏:‏ رَابِطُوا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ‏}‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ‏:‏ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ‏:‏ ‏{‏لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ‏}‏، بِمَا يُضْمِرُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَكْتُمُونَهُ فَيَسْتُرُونَهُ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالشَّنَآنِ، وَأَنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا قِتَالًا مَا تَبِعُوهُمْ وَلَا دَافَعُوا عَنْهُمْ، وَهُوَ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُحِيطٌ بِمَا هُمْ مُخْفُوهُ مِنْ ذَلِكَ، مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ، وَمُحْصِيهِ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يَهْتِكَ أَسْتَارَهُمْ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا فَيَفْضَحُهُمْ بِهِ، وَيُصْلِيهِمْ بِهِ الدَّرْكَ الْأَسْفَلَ مِنَ النَّارِ فِي الْآخِرَةِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏168‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏{‏الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ‏:‏ ‏{‏وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ نَافَقُوا‏}‏ ‏{‏الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا‏}‏‏.‏

فَمَوْضِعُ ‏"‏الَّذِينَ ‏"‏نُصِبَ عَلَى الْإِبْدَالِ مِنْ ‏"‏الَّذِينَ نَافَقُوا ‏"‏‏.‏ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَفْعًا عَلَى التَّرْجَمَةِ عَمَّا فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏يَكْتُمُون‏"‏ مِنْ ذِكْرِ ‏"‏الَّذِينَ نَافَقُوا ‏"‏‏.‏

فَمَعْنَى الْآيَةِ‏:‏ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ أُصِيبُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي حَرْبِهِمُ الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ يَوْمَ أُحُدٍ فَقُتِلُوا هُنَالِكَ مِنْ عَشَائِرِهِمْ وَقَوْمِهِمْ ‏"‏وَقَعَدُوا ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ وَقَعَدَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الْقَائِلُونَ مَا قَالُوا- مِمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمْ مِنْ قَيْلِهِمْ- عَنِ الْجِهَادِ مَعَ إِخْوَانِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ‏"‏لَوْ أَطَاعُونَا ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ لَوْ أَطَاعَنَا مِنْ قُتِلَ بِأُحُدٍ مِنْ إِخْوَانِنَا وَعَشَائِرِنَا ‏"‏مَا قُتِلُوا ‏"‏ يَعْنِي‏:‏ مَا قُتِلُوا هُنَالِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏قُلْ ‏"‏، يَا مُحَمَّدُ، لِهَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ ‏"‏فَادْرَأُوا ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ فَادْفَعُوا‏.‏

مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ ‏"‏دَرَأْتُ عَنْ فُلَانٍ الْقَتْلَ ‏"‏، بِمَعْنَى دَفَعْتُ عَنْهُ، ‏"‏أَدْرَؤُهُ دَرْءًا ‏"‏، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

تَقُـولُ وَقَـدْ دَرَأْتُ لَهَـا وَضِينِـي *** أَهَـذَا دِينُـهُ أَبَـدًا وَدِينِـي

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قُلْ لَهُمْ‏:‏ فَادْفَعُوا إِنْ كُنْتُمْ، أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ، صَادِقِينَ فِي قَيْلِكُمْ‏:‏ لَوْ أَطَاعَنَا إِخْوَانُنَا فِيتَرْكِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِمَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِتَالِهِمْ أَبَا سُفْيَانَ وَمِنْ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ، مَا قُتِلُوا هُنَالِكَ بِالسَّيْفِ، وَلَكَانُوا أَحْيَاءً بِقُعُودِهِمْ مَعَكُمْ، وَتَخَلُّفِهِمْ عَنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشُهُودِ جِهَادِ أَعْدَاءِ اللَّهِ مَعَهُ ‏[‏عَنْ أَنْفُسِكُمْ‏]‏ الْمَوْتَ، فَإِنَّكُمْ قَدْ قَعَدْتُمْ عَنْ حَرْبِهِمْ وَقَدْ تَخَلَّفْتُمْ عَنْ جِهَادِهِمْ، وَأَنْتُمْ لَا مَحَالَةَ مَيِّتُونَ‏.‏ كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ‏}‏، الَّذِينَ أُصِيبُوا مَعَكُمْ مِنْ عَشَائِرِهِمْ وَقَوْمِهِمْ ‏{‏لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا‏}‏ الْآيَةَ، أَيْ‏:‏ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْمَوْتِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَدْفَعُوهُ عَنْ أَنْفُسِكُمْ فَافْعَلُوا‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا نَافَقُوا وَتَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، حِرْصًا عَلَى الْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا، وَفِرَارًا مِنَ الْمَوْتِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ‏:‏ الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ هَذَا الْقَوْلَ، هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ‏:‏ ‏"‏وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا‏}‏ الْآيَةَ، ذَكَرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَدُوِّ اللَّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ هُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَأَصْحَابُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ الَّذِي قَعَدَ وَقَالَ لِإِخْوَانِهِ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ‏:‏ ‏{‏لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا‏}‏، الْآيَةَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ، قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا‏}‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ فِي عَدُوِّ اللَّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ‏.‏